لم يفزعنى حقا نبأ قيام أب بعرض ابنته القاصر، التى لم تتعد 13 عاما، للزواج على الشبكة العنكبوتية لأعلى سعر يمكن أن يدفعه أى رجل، مهما كان عمره أو ظروفه أو أخلاقه، إنما كان الشرط الأساسى هو الأموال التى سوف يتقاضاها الاب لفك أزمة مادية أو لكى يستطيع هو الآخر أن يتزوج أو يشترى طفلة تعيد له شبابه إن استطاع فيما بقى له من أيام.
لم أندهش لسبب بسيط لأن نظرة العالم بالكامل للمرأة باختلاف المجتمعات أو حتى درجات التحضر لم تتغير كثيرا فى العشرين قرنا السابقة، والدليل بسيط..عند أى توقف للقانون سواء لظروف عادية أو فى الحروب، نجد أن أول رد فعل هو الاعتداء على النساء بالغريزة الأولى واغتصابهن ..او الخطف للاستغلال الجنسى وهى تجارة عالمية تدر الملايين ولم تستطع الحكومات القضاء عليها، ربما لأن المنوطين بمحاربتها إن واتتهم الفرصة سيشاركون فى تلك التجارة سواء كملاك او زبائن.. وما كانت اعترافات سيئات الحظ مما دفعتهن الظروف للاقامة فى معسكرات الإيواء إلا دليل واضح وفاضح لاشتراك جنود ومسؤولين في قوات حفظ السلام المفترض بهم حمايتهن.. فى اغتصابهن، هكذا بمنتهى البساطة.
وماحدث فى العراق تحت سلطة الدواعش من تجارة بالنساء فى أحط صورها وإقامة سوق جواري، لم نتصور أن نراه مرة أخرى فى القرن الواحد والعشرين ولكنه حدث وسوف يحدث، وسيجدون المبرر الدينى مثلا فى تفسيرات مرضية لسبايا الحروب.
لقد كانت اجابة أنصار الخمينى، حين سئلن لماذا اغتصبوا نساء نظام الشاه فى السجون، بانه "ليس اغتصابا، إنما هن ملك اليمين، وتذرعوا بالقول: ألم يذكره القرآن.. اتنكرونه ومعه ممارسات الصحابة و قبلهم الرسول عليه السلام"، وذلك في لي شائن لأعناق النصوص، ونسوا أن الرق منع من العالم وأنه إن وقعت بعض الحوادث فقد كانت لها ظروف وأسباب وعرف كان سائدا من ألف وأربعمائة عام وأن الإسلام وضع له من القواعد ما يجفف منابعه، حتى اختفى من حياتنا كممارسة و قانون!
ما يعنينى هنا أن تلك النظرة المتدنية والمتخلفة والمغرضة والمريضة، لم تختف من المجتمعات الإنسانية حتى الآن.. تتدرج باختلاف الظروف وقوة المجتمعات وتحضرها وقوة القانون وقيمته وتفعيله، ليكون رادعا لأى خروج عليه، ولكن هل يريد الرجال حقا الخروج عليه؟ بداية من إجبار النساء على معاشرة أزواج لم يختارونهم، وهو امر مخالف للشريعة تماما، ومع ذلك وجدوا مبررات مجتمعية وعرفية للخروج عليه، ولن انسى ما حييت أنه فى عالمنا العربى إلى وقت قريب كانت تمنع الفتاة من رؤية زوج المستقبل لتتعرف عليه ظاهريا، وكان المطلوب منها تسليم جسدها لرجل غريب باسم زواج فاسد، ولم تتحرك شعرة من ذقون ذكور الأسرة لوقف تلك الجريمة والمبرر كان حاضرا فى اذهانهم، وهو مجرد أسباب مرضية مشفوعة باحتقار صنف النساء ربما لاحتياجهم الشديد لضعفهن أمامهم، فلم يجدوا طريقا للسيطرة والتحكم إلا تلك الأحكام المجتمعية المريضة!!
مازالت الدهشة لم تغادر بابها فى نفسى.. لماذا لم تستطع المدنية أن تحل تلك المعضلة حتى يومنا هذا؟ ولماذا عندما تنفك سلطة القوانين ولو لساعات كما حدث مثلا فى نيورروك عندما انقطع التيار الكهربائى، وتم اغتصاب عدد مهول من النساء من جيرانهم المباشرين، والمفترض أنهم أشخاص طبيعيين، ومع ذلك خرج الوحش من داخلهم فى ثانية، دونما أى تردد، وكذلك ما حكت عنه نساء البوسنة عن جيرانهم وأصدقائهم الذين تحولوا فى تلك الحرب الطائفية إلى قتلة ومغتصبين بمنتهى البساطة، كأن الحضارة لم تزرهم يوما.
إذن اعذرونى أننى لم أصدم من عرض السودانى لابنته للبيع علنا على الانترنت، فهى وإن كانت فلذة كبده، إلا أن ذلك لم يشفع لها أبدا، ولم يمنعها من أن تصير سلعة جنسية تباع وتشترى وتعرض لأعلى سعر!
-------------------
بقلم: وفاء الشيشيني